تكدس المعلومات ومصفاة الانتباه
في أثناء وقت الفراغ، ودون أخذ أوقات العمل في الاعتبار، تحلل
عقولنا نحو 34 جيجا بايت، بما يعادل مائة ألف كلمة في اليوم، بينما تعرض محطات التلفزيون
التي يبلغ عددها ما يزيد عن 21,274 محطة نحو
85 ألف ساعة من البث الحي يومياً في عام 2016 يتابعها المشاهدون بمعدل 5 ساعات يومياً،
أي ما يساوي 20 جيجا بايت من الملفات المسموعة والمرئية، دون احتساب موقع “يوتيوب”
الذي يقوم بتحميل منا يزيد عن ستة آلاف ساعة من تسجيلات الفيديو كلساعة، كما تستهلك
الألعاب الإلكترونية عدداً من وحدات الجيجا بايت يفوق ما تستهلكه وسائل الإعلام الباقية
كلها، مثل: الأقراص المدمجة والتلفزيون والكتب والمجلات والإنترنت. من هذا المنطلق،
تعد مجرد محاولة تنسيق وترتيب كل هذه الملفات الإلكترونية والإعلامية عملية منهكة:
فلدى كل منا نحو نصف مليون كتاب محمل في ذاكرة حاسبه الآلي، ناهيك عن المعلومات المخزنة
في هواتفنا المحمولة أو في الشريحة الممغنطة على ظهر بطاقاتنا الائتمانية، وبهذا نكون
قد أوجدنا عالماً يتكون من 300 “إيجزابايت”، أي 300,000,000,000,000,000,000 وحدة من
المعلومات التي يصنعها البشر. فإذا شرعنا في وضع تلك الوحدات على بطاقة تخزين مساحتها
5×3 بوصات، ثم فردناها جنباً إلى جنب، سيغطي نصيب الفرد الواحد – نصيبك أنت مثلاً
– كل بوصة مربعة من مساحة ولايتي “ماساتشوستس” و“كنيتيكت” الأمريكيتين مجتمعتين! صحيح
أن عقولنا تتمتع بالقدرة على معالجة كل ما تتلقى من معلومات، لكن لكل شيء ثمناً: حيث
إننا لن نفلت من مواجهة مشكلة تمييز الغث من السمين، وهي مسألة مرهقة جداً، وتؤثر بالتالي
على انتباهنا، فالانتباه هو ما يحدد أي سمات البيئة المحيطة بنا سنتعامل معها، وفي
معظم الأحوال يختار العقل الباطن )من خلال عديد من العمليات الآلية الموجودة خارج نطاق
الوعي( أفضل ما يمكن أن يدخل إلى عقلنا الواعي، ولكي يحدث هذا، تقوم ملايين من الوصلات
العصبية بمراقبة البيئة المحيطة بنا واختيار ما يجب الانتباه إليه، فيما يُعرف باسم
“مصفاة الانتباه”، وتعمل هذه الوصلات خارج نطاق الوعي، مما يُلقي بمهملات الإدراك بعيداً
عن دائرة الانتباه، فمثلاً لن تتذكر أو تلتفت إلى كل التفاصيل التي رأيتها في أثناء
قيادة سيارتك لعدة ساعات على الطريق السريع، لأن جهاز الانتباه في المخ يحمي ذاكرتك
من تخزين كل ما تقع عليه عيناك، وإلا تكدست فيه المعلومات بالشكل الذي يعطله ويمنعه
من العمل بكفاءة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق